مجتمع

الحق والباطل في موضوع الرهان الرياضي والتطبيع

بقلم: الحبيب السماوي
أثار خبر اتفاق شركة النهوض بالرياضة مع شركة إيطالية مختصة في الرهان الرياضي اهتمام عدة وسائل إعلام من الصحافة المكتوبة وبعض المحطات الإذاعية والتلفزية. ويعود سبب هذه التفاعلات إلى ما تم ترويجه من علاقة بين شركة النهوض بالرياضة ” بروموسبور” وشركة ” سيزال” الإيطالية للتفويت في جزء من الألعاب إلى هذا المستثمر الذي يشتغل في المجمع الدولي ” فلاتر” الذي له علاقات مع شركة ” بلي تاك ” الصهيونية مما أدى إلى توجيه تهمة التطبيع. غير أن ما تم نشره إلى حد الآن طغت عليه العموميات دون الغوص في تفاصيل الملف الذي تتداخل فيه الجوانب الرياضية والسياسية والإدارية.
وفي محاولة لرفع اللبس نشير إلى أن الرهان الرياضي في تونس تديره شركة النهوض بالرياضة وهي مؤسسة عمومية تعمل في إطار القانون وتساهم في تمويل ميزانية الدولة وتحديدا في صندوق النهوض بالرياضة. وقد تطورت مداخيلها خلال العشرية الماضية فناهزت 130 مليون دينار سنة 2013 ثم بدأت تتراجع سنة 2016 بعد إدراج فصل في قانون المالية لسنة 2016 يقضي باقتطاع 25 % من نصيب المتراهنين في مختلف الألعاب وتحويلها لخزينة الدولة فتراجعت مشاركة المتراهنين الذين أصبحوا يتجهون نحو الرهان الرياضي الموازي. ورغم إلغاء هذا الفصل سنة 2018 لم تسترجع الشركة حجم مداخيلها السابقة بعد أن اكتسح الرهان الرياضي الموازي الساحة في ظل ضعف هياكل الدولة الرقابية في السنوات الأخيرة.
وللعلم فإن الرهان الرياضي نوعان: النوع الأول تكون منصاته ومواقعه الإلكترونية في الخارج ويعتمد العملة الصعبة التي يتم تحويلها بصفة غير قانونية للبلدان الأجنبية دون أي ضمانات قانونية للمتراهنين. أما النوع الثاني فهو عبارة عن شركات قانونية تنشط تحت يافطة خدمات إعلامية لكنها تمارس الرهان الرياضي الموازي على الخط وفق منصات معلوماتية موجودة بالخارج علما أن هذا النشاط لا يندرج ضمن الأنشطة المرخص لها وفق الأمر عدد 417 لسنة 2018 المتعلق بإصدار القائمة الحصرية للأنشطة الاقتصادية الخاضعة لترخيص. ورغم إصدار مجلس المنافسة حكما يقضى باحتكار الدولة لهذا النشاط إلا أن هذه الشركات استمرت في مزاولته بل انتعشت خلال السنة الفارطة من خلال الفصل 24 من قانون المالية لسنة 2021 الذي تم تمريره من قبل مجلس النواب السابق وبضغط من عديد النواب والذي نص على خضوع شركات الرهان الرياضي إلى أداء في حدود 15 % في حين يصل الضغط الجبائي على شركة النهوض بالتنمية الرياضية إلى 53 % (بين مداخيل موجهة لصندوق النهوض بالرياضة ونسبة 3 % للطابع الجبائي).
وفي سعي لتنظيم أنشطتها وتطويرها وتحديثها اقتنت شركة النهوض بالرياضة منظومة معلوماتية حديثة تتضمن الرهان الرياضي على الخط وقد شرعت في التفويت في الرهان الرياضي عل الخط في إطار لزمة بالشراكة بين القطاع العام والخاص تم الاشتغال عليها بالتنسيق مع مختلف الهياكل والمؤسسات الحكومية بإشراف ” الهيئة العامة للشراكة بين القطاع العام والخاص” وتم اتخاذ كل الاحتياطات المعلوماتية التقنية والأدبية للحفاظ على المعطيات الشخصية وتجنب الاختراق الأجنبي وذلك عبر إيواء كل المعطيات بمنظومة شركة النهوض بالرياضة وإلزام الشركة الإيطالية بإحداث مؤسسة تخضع للقانون التونسي عند التصرف في هذا النشاط.
لذلك فإن الزوبعة التي أثارها البعض حول تورط شركة النهوض بالرياضة في التطبيع لم تستند إلى حجج ثابتة بل اقتصرت على مجرد معلومات فضفاضة ذلك أن التعامل سيكون مع شركة إيطالية وليس صهيونية، أما اعتماد علاقة هذه الشركة مع شركة صهيونية كدليل على التطبيع فهو من قبيل الاسقاط وإلا فإن أغلب علاقاتنا التجارية مع الخارج تصب في خانة التطبيع ويجب بالتالي قطعها. لكن المفارقة الكبرى أن شركات الرهان الرياضي الموازي التي تقف وراء هذا الهجوم على الرهان الرياضي القانوني غارقة في مستنقع التطبيع من خلال إدراجها لمقابلات تتنافس فيها نواد رياضية صهيونية مما يدفع المتراهنين إلى مشاهدة مباريات هذه الفرق حتى يتعرفوا على حظوظها. ومما لا شك فيه أن المخابرات الصهيونية لا تفوت فرصة لاختراق المجتمعات العربية عبر مختلف الأشكال الذي يمثل الرهان الرياضي أخطرها مما يستوجب الحذر وصيانة السيادة الوطنية وقطع الطريق أمام التطبيع. ويتم ذلك عبر التصدي للرهان الرياضي الموازي وإرساء الآليات القانونية القادرة على تحكم الدولة في المرفق العمومي وتوفير المداخيل للمالية العمومية وضمان حماية المعطيات الشخصية وليس المزايدة المجانية أو قول كلمات حق يراد بها باطل أو رفع شعارات عامة قد تلحق الضرر بالقضية الفلسطينية أكثر من خدمتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى