مجتمع

“أقضي يومي بين المخبزة والمساحات التجارية”.. كيف أثرت الأزمة الاقتصادية على حياة النساء في تونس؟

يسرى بن حطاب

 

“عندما أنجح في توفير الخبز و علبة حليب لأطفالي، أشعر أنني حققت انجازا عظيما، و بأن الحظ حالفني”، بهذه الكلمات تحدثت زهور ( 32 عام) لـ الشاهد نيوز، عن معاناتها اليومية في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية و ندرة المواد الأساسية في الأسواق التونسية التي شكلت كابوسا للعائلات خصوصا الأمهات، زهور هي واحدة من آلاف النساء اللواتي يقضين ساعات في الطوابير للظفر بكيس من السكر أو الدقيق وغيرها من المواد المفقودة.

الحصول على الخبز أو الحليب.. حُلم صعب المنال في تونس 
رحلة زهور في البحث عن الخبز و الحليب، تنطلق منذ الصباح الباكر، تحمل طفليها الى الروضة حيث يقضيان يومهما هناك، وتبدأ مشوارها الأول نحو المخبزة عساها تنجح في افتكاك ما تيسر من “الباقات” (الخبز) خاصة و ان المواطنين يبدأون في التجمهر منذ الساعات الأولى للصباح، ناهيك أن مُعظم المخابز تعمل لفترة صباحية فقط نظرا لندرة مادة الفارينة.
طريق زهور في توفير قوت صغارها لا ينتهي عند أعتاب المخبزة بل يتواصل نحو أبواب المساحات التجارية حيث تتوفر مادة الحليب التي تعتبر عنصرا هاما في الغذاء اليومي لأطفالها و خاصة لرضيعتها ذات 16 شهرا، تمتمت زهور بعض الكلمات “ابنتي مصدر غذائها الوحيد هو الحليب”  وواصلت : “أُجبرت على ملأ البزازة بالماء حتى تنام طفلتي منذ يومين لأني فشلت في الظفر بعلبة حليب، الوضع صعبٌ للغاية أجد نفسي مُمزقة بين الأعمال المنزلية، الاهتمام بالأطفال، وظيفتي، و كابوس اختفاء المواد الغذائية و رحلة الصفوف اليومية بين المخابز و المغازات، أنهكتني فعلا هذه الظروف الصعبة، حتى بات الحصول على قارورة زيت أو خبزة أو علبة حليب حُلم صعب المنال في هذه الأيام”.
أعاني الأمرين بين الصفوف و أبكي حينا عندما ينفذ الخبز
“لطالما روج الخطاب الرسمي طويلا لرفاهية واقع المرأة التونسية، و لإن أُعتبرت مثالا في العالم العربي، و لكن ما نعيشه اليوم من حيف اقتصادي عرى كل تلك المفاهيم الفضفاضة” رددت حياة (40 عاما) هذه الكلمات بصوت أجش خنقته مرارة العيش و قلة ذات اليد، فمحدثتنا خريجة جامعة معطلة عن العمل و أم لثلاثة أطفال،شاءت الأقدار ان يكون من بينهم طفل من ذوي الاحتياجات الخصوصية، في حديثها لـ  الشاهد نيوز أكدت عن معاناتها الدورية بين الصفوف من أجل تأمين ما يسد الرمق من المواد الضرورية و تأثير ذلك سلبا على عنايتها بطفلها الذي يحتاجها في أغلب الأوقات لإطعامه و حتى لتمكينه من الماء.
“أقضي وقت طويلا أمام المخبزة و إبني بمفرده، أرتجف خوفا و لكن ما باليد حيلة، من واجبي كأم تأمين الغذاء لكل أفراد العائلة”.
 
تضيف حياة: “عندما يحل الظلام و أرى أطفالي نائمين في طمأنينة أشعر بسعادة لا توصف…صدقا قدوم الصباح و بداية يوم جديد أصبحت مصدر قلق و بؤس بالنسبة لي، أعاني الأمرين بين الصفوف و أبكي حينا عندما ينفذ الخبز أو السكر و لا أتمكن من ابتياعهما و أصيح أحيانا من القهر عندما يتجاوزني أحدهم دون أدنى احترام.”
 النساء يُكرسن متوسط 17 ساعة للعمل المنزلي أسبوعيا مقابل 3 ساعات فقط للرجال
 في هذا السياق، أظهرت دراسة قدمتها منظمة حقوقية غير حكومية، أن النساء أكثر من الرجال تضررا جراء السياسات التقشفية التي تتبناها الحكومة منذ سنوات،مُشددة على أن الاستمرار في هذه الإجراءات من شأنه أن يُفاقم أوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية.
و بينت الدراسة التي قدمتها منظمة “أصوات نساء” التونسية تحت عنوان “تأثيرات سياسات التقشف على النساء والفئات المُهمشة”،أن هذه السياسات التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة في مواجهة الأزمة الاقتصادية أثبتت فشلها، و كشفت أوجها لعدم المساواة بين التونسيين.
كما أثبتت الدراسة ان حالة “اللامساواة” التي تسببت فيها حالات التقشف ليست مستقلة على اعتبار النوع الاجتماعي، إذ تطالُ تأثيراتها بشكل أكبر النساء و الفتيات مُضيفة الى أن النساء اللاتي يُعانين في الأصل من مشاكل التمكين الاقتصادي يتأثرن بشكل خاص من هذه التحولات، و أشارت المنظمة في تقريرها إلى أن إيقاف تمويل القطاع الاجتماعي، من شأنه أن يضعف النساء المحتاجات، ويزيد من نصيب النساء في العمل غير المأجور، ذلك أن النساء يكرسن متوسط 17 ساعة للعمل المنزلي أسبوعيا، مقابل 3 ساعات فقط للرجال.
المجتمع التونسي مازال يُعاني من اشكالية تقسيم الأدوار داخل الأسرة
 من جهتها ترى الدكتورة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي، ان التوقيت المعتمد لدى المؤسسات الحكومية و الخاصة في تشغيل النساء مُجهد خاصة للأم و الذي أثر سلبا على فعاليتها كعنصر رئيسي داخل الأسرة،خاصة و انها الأولى دون سواها المسؤولة عن شؤون المنزل و مستلزمات الأطفال في أغلب الحالات، و في ظل هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة تجد المرأة التونسية نفسها مُشتتة بين ساعات العمل الطويلة،الأعمال المنزلية وأوقات مهدرة بين الصفوف من أجل توفير المواد الغذائية الأساسية على غرار مادة السكر،الحليب،الفرينة ، الزيت و غيرها من المواد الأخرى المفقودة.
و تؤكد الجلاصي في حديثها لـ الشاهد نيوز  ان كل هذه الضغوطات المُسلطة رأسا على المرأة و التي فرضتها الأوضاع الإقتصادية المتردية لها انعكاسات سلبية على دورها كأم، لأن الوقت المهدور الذي تقضيه في طوابير الانتظار هو في الأساس مُخصص لها كأنثى للاهتمام بنفسها و لرعاية صغارها،ولكن في ظل هذا الضغط اليومي المتواصل بات الهدف الأول توفير ما يسُد الرمق من احتياجات غذائية فقط.
تتابع: “المجتمع التونسي مازال يُعاني من إشكالية تقسيم الأدوار داخل الأسرة،المتمثلة في تمسك الرجل بنمطية دوره التقليدي المقتصر على العمل خارج المنزل،و اعتبار المرأة هي المسؤولة عن تربية الأبناء والاهتمام بكل احتياجات الأسرة، ضاربٌ عرض الحائط كونها شريك و فاعل اقتصادي،كل هذه العوامل ستؤدي الى شعورها بالخذلان و من ثمة انهيار نفسي وجسدي سينعكس سلبا على الأسرة و الأطفال.
النساء هن الأكثر تضررا من الأزمة الأقتصادية
تؤكد منسقة لجنة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات،رجاء الدهماني ،أن النساء هن الأكثر تضررا من الأزمة الأقتصادية التي تعصف بالبلاد خاصة اللاتي يشتغلن في القطاعات الهشة و يعلن عائلاتهن ،هن من يقمن بعمل الرعاية غير مدفوع الأجر،وهن المسؤولات عن توفير الغذاء،جلب الماء من مناطق بعيدة،و الوقوف لساعات لاقتناء الخبز و الحليب و السكر.
تتابع الدهماني في تصريح لـ الشاهد نيوز “علينا أن ندرك أولا تعدد العوامل التي تسببت في هذه الازمة او مثل هذه الأزمات لان الدولة التي لا تصرف أموالها تسهل عملية استعمارها نحن لا نرى دبابات أجنبية على أراضينا تعلن استعبادنا العسكري للدول القوية، إلا أننا فعليا نحيا تحت زكاة هذا الاستعمار باعتماد السلاح الأخضر “
أضافت الدهماني ” بمجرد ايقافنا التعامل مع الصندوق الدولي واعتمادنا لسياسة التقشف، لاحت مظاهر الفقر المُدقع على نسبة كبيرة من التونسيين، الذين أصبحوا يعيشون تحت وطأة الجوع و الخصاصة”.
و ترى الناشطة النسوية، ان الدولة التونسية اليوم تُجير المواطنات والمواطنين على اقتناء الأعلى سعرا،لأنها تحتكر المواد الأساسية فما معنى ان يمتلئ السوق بمشتقات الحليب دونه، و ما مُوجب تكديس شتى أنواع الخبز الباهظ الثمن، الدولة تتعلل بسيطرة رأس المال على هذه المواد و استغلالها رواية “حطان العصا في العجلة”، و هي بذلك تحيد عن دورها الأساسي ألا وهو تطبيق العدالة الاجتماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى